والحديث المؤجّل

.

tumblr_n72oyhlTIW1rnsl1fo1_500

.
مرّ عام منذ كتبت إليك عن سـارة الهائمة  .. أفكر فيك منذ أمد طويل وفي الكتابة عن شعور امتدّ بيننا .. بـ الأمس ورأسي على الوسادة البيضاء في غرفة باردة لا يتحرك فيها شيء سوى ظل الشمعة أحسست بأنك قريب .. قريب جدا، وأني إذا مددت يدي في فراغ الغرفة المظلم لشعرت بأصابعك تحيط بأصابعي .. هذا القرب لم يكن مخيفاً، ومقلقا كعادتي حين أخفي مشاعري .. كان حضورا غريبا، وأحاطني بأمان أنشده .. نزولي من سريري العالي وتوجهي لـ المرآة البيضاء والصاق جبهتي على زجاجها ما كانت إلا محاولة للدخول إليك .. إلى عالم لن يسمح لي الواقع بدخوله يوم ـاً .. 1

أحاول مؤخرا فهم أسباب ابتعادك المفاجئ، وغيابك اللامبرر كي لا تبدو رسالتي كـ خطاب كتبته امرأة باكية .. ولا أجد ما يغفرلك ذلك، ومع هذا أرسمك أملا، وأحصر سعادتي في لقاء وجهك المستحيل ،وأغرس اسمك في سجادة الصلاة الخضراء، وأقول يا رب احفظ قلبه النابض حباً وانثر عليه سعادة لامنقطعة .. وأستسلم لواقع أني فقدتك فألجأ إلى كهف الفجر بعدما يربت صوت المؤذن على كتفي ..1

يا صديق ماذا سيحدث في العالم إذا أحببنا بصراحة، وكتبنا بـ شفافية الماء عن شعور القلب، ولهفته ؟ .. كيف نكتب عن الفجائع والراحلين براحة وسهولة في حين أعجز عن إهداء باقة ورد بيضاء مرفقة بـ بطاقة بريدية تقول ” أنت الوطن ” .. نحن الذين ندوس قلوبنا، وندعي أنّ خفقاتها المتسارعة عند اللقيا ما هي إلا صدفة يصبح الحديث عنها مجاهرة بالمعصية .. نحن الذين حين يصلنا خبر استحالة تحقق أمنياتنا ننام كـ الأجنة، ونعتزل وجوه البشر خشية انكسـار علني يُسقطنا من أعين الناس .. وما أبشع الخوف الذي يمنعنا من الحديث خشية رفض يجرحنا .. 1

أدهشتني عودتك الآن، وكل محاولاتي لـ فهمها لم توصلني لـ تفسير.. كأنك احتجت إلى ركن هادئ لـ تُرتب أفكارك ومشاعرك بعيدا عن قصصي الطفولية، وحديثي الطويل عن أحلام يعرف سوانا أنها لن تتحقق .. غادرت أنت في وقت إجهاض قلبي فرحته .. وتركتني ألتمس حضورك/وجودك/قربك ولكن لا شيء سوى الغياب المبهم .. 1

 لماذا يموت فيني أبيض الأحاسيس، وأبقى على الأرض مثقلة بالأمنيات، والأحلام، والأمل الذي أمسى سجائر أسمح لها بـ قتلي ببطء ؟؟ .. أتذكر اليوم حجم الاختناق الذي داهمني بعد اختفائك .. وبحثي عن ما يعيد سكون قلبي المفجوع حتى اهديت إلى سجادتي، ومصحفي المهجور .. حينها تكشف بعدي عن الله، وآياته فخجلت، وانكسفت روحي من سؤاله أن يشفي قلبي، فـ بقيتَ عالقا كـ سهم لم يخرجه أحد ..1

أنت الذي اكتشف سوداويتي ولخصها بـ أني لا أحترم الأحزان لذلك تبقى عالقة بي .. في مجالس العزاء أبكي مرة رغما عني ثم أتماسك دافنة كل فواجعي في زوايا الروح .. وكأني طفل كبر على أن البكاء ضعف وعيب .. أنت تعلم كم تخاف أمي من قسوة قلبي، وتدعوني إلى قراءة القرآن، وبأن أردد ” اللهم ليّن قلبي ” .. مخيف أن أملك قلبا صخريا كهذا، ومع ذلك تسللت إليه ..1

أنت تعرف أن أسئلة هائجة تضرب رأسي، ورغم ذلك أحتاج بعدك، وغيابك اليوم؛ لأني أبدأ فصلا جديدا من عمري أتوحد فيه بـ سـارة التي لا أفهمها، وأحبها .. لا تخف أصبحت امرأة بارعة في اخفاء هزائمها وخساراتها، ولا أقف عند تفاصيل حرفك رغم الحنين لحديث صادق، وضحكة تضيء أيامي.. 1

يا صديق .. قلبي المعطوب لا يشعر بك كـ السابق، وكل الجمال المحلق بين ـنا نسيته، ورب العباد يشهد أني أحمل قلبا لا يرجو غير رحمة الله، وسفر يُبعدني عن الأحبة/يهبني فرصة قراءة ذاتي ..1

وتصبح على فرح ~     1