البيت هو أشبه بغرفة إصغاء إلى الداخل*

tumblr_ndzs2vZvYu1qc4l4yo1_500

.

.

إنها العاشرة مسـاء في مسقط .. أجلس أرضاً بجانب طاولة رخامية هي جزء من تاريخ العائلة / أثاث قديم ينتقل من منزل لآخر .. هذه الطاولة التي تكبرني بعامين تتحمل كتبي الكثيرة / شمعة مهجورة/ كريم مرطب تذكرني رائحته بالليل والأمسيات التي أدخل فيها غرفتي مُتعَبة فـ أخرج العطر من دولابي الأبيض .. أرشه حولي ثم أجلس مستندة إلى حائط غرفتي الأبيض وأحمد الله كثيرا لأن لا صغار يملأون غرفتي ضجيجا، ولا حزن يشد أطراف روحي، ولأن السماء تعطيني بقدر ما تأخذ مني ..

هنا أنا .. في قلب مسقط التي تنتظر المطر، ويقطع المسرعون شوارعها .. أفكر في حياتي .. أنصت لعزف نصير شمه، وأتجاهل خيبة أمل تسكنني منذ النهار لأني اضطررت للتضحية بزيارة معرض كتاب الشارقة من أجل لقاء آخر .. أفتح صفحة طيران العربية وأبحث عن أسعار التذاكر، ووقت مناسب للذهاب والعودة في اليوم ذاته رغم إدراكي أن ذلك لن يتحقق .. حزينة الآن كـ طفل لم تصله هدية ميلاده، وعلى وشك البكاء لسبب تافه كخروج الصحن ساخنا من المايكرويف، ولأن الحليب الذي أسكبه على قهوتي منتهِ الصلاحية، ولأني أتجاهل جدول التمارين الرياضية …

هنا أنا .. أفكر في كيفية إغلاق الأبواب التي فتحت فجأة أمامي رغم إدراكي العميق بأن دخولي إياها سيغير حياتي كلياً .. استحضر حديث الزميلة التي تهمس لي وتسألني عن ما فعلته ليكون اسمي معروفاً في فترة زمنية لم تتجاوز العام، فأضحك؛ لأنها تتأمل وجهي مستفهمة حين أخبرها بإني أعمل فقط. لم استطع إخبارها أن حضوري المبكر صباحا للعمل هو هرب من اضطراري لمشاطرة المصعد الضيق مع أحد، فأجبر على مبادلته التحية والحديث، وبأني المرأة التي تدخل رأسها في الرسائل والأوراق المتراكمة كي تتعلم كل شيء في وقت قصير، ولا تسمح للفراغ الممتد في مكتبها الجامد بأن يملأه العابرون بالحديث .. وأني أنزل الدرج ستة طوابق حين أقرر الخروج باكراً كي لا أصادف أحداً .. ومع هذا أسمع اسمي حين يحدثني أحدهم في اللحظة التي لا أذكر فيها من هذا الذي يقف أمامي .. فاشلة في فتح الأحاديث، واكتفي بالرد على الأسئلة بإجابات مختصرة، وأنكسف خجلاً كلما سُئلت ” تعرفيني؟” .. فأرد بـ ابتسامة بلهاء

هنا أنا .. أراجع أسماء الكتب التي أنهيتها منذ بداية العام، وأخرى سأعرضها للبيع قريباً، وتلك التي لم أكملها .. وأتذكر أني متأخرة بثلاثة عشر كتاباً عن خطتي لهذا العام، أبحث كل يوم عن وقت هادىء أقرأ فيه، وأنسحب من حياتي الروتينية مؤخرا .. فأدخل عوالم بعيدة وأعيش حيوات مختلفة .. ما زلت أبحر في الروايات، وأرتبط بشخوصها وأفكر فيهم لأيام .. كل كاتب يستطيع إدخالي قصته هو ناجح من وجهة نظري حتى وإن كانت فكرة كتابه سطحية وسيئة .. أقرأ منذ أيام رواية ” دفتر مايا ” لـ إيزابيل الليندي .. هذه الروائية ساحرة تنجح دائما في أسْرِي بين سطورها .. وأنوي بعدها قراءة رواية لـ ربيع جابر الذي أفتقد شخصيات يرسمها ببراعة ..

هنا أنا .. لا شيء جديد في أيامي .. بين العمل والمنزل أمرر وقتي .. أسرق بضع ساعات أحيانا لدخول السينما التي ما عادت مدهشة مثل السابق .. ألتهم الذرة المغلفة بالكراميل وأبحث عن فيلم مضحك يلون يومي .. ابتعدت عن أشياء كثيرة كنت أحبها لأسباب غير مهمة .. أفكر في شراء عود والتخطيط جديا للعودة إلى الدراسة بعد عام عامين لا أدري .. أسمح لكاميرا هاتفي بتسجيل بعض اللحظات وأضعها على صفحة الانستجرام .. سأحضر حفل تخرجي بشهادة الماجستير بعد أسابيع وكنت أفكر في إقامة حفل صغير ثم أزلت الفكرة من رأسي سأكتفي بشراء هدية لنفسي وطلب إجازة ليوم واحد من العمل.. ما زلت ذاك الكائن الذي يدمن البقاء في البيت .. يقول محمود درويش:” البيت يعني لي الجلوس مع النفس، ومع الكتب، ومع الموسيقى، ومع الورق الأبيض. البيت هو أشبه بغرفة إصغاء إلى الداخل، ومحاولة لتوظيف الوقت في شكل أفضل “،، هنا أنا في غرفتي منذ ساعات أبحث عن لحن يُشبهني ..

___________________________

 

نشرت في غير مصنّف

رأي واحد حول “البيت هو أشبه بغرفة إصغاء إلى الداخل*

  1. تأسرني دوما كلماتك و حرفك راق كصاحبته …لا ادري لما اكتب هذا …ربما ان كنت حقا من نفس عوالم خيالي و افكاري ستجدين ثنائي تافها …لانني لا احب المدح …لكن صدقا هناك شيء مرح و غامض في حروفك اجد لذة مبهرة في كل مرة اقرأ لك فيها
    الحياة روتين مهما حاولنا التغيير وصدق درويش
    و بوركتي يا انت

أضف تعليق